الحقيقة المغيبة في قضية انفجار المرفأ

عاجل

الفئة

shadow


*قاسم حدرج مستشار في القانون الدولي*

رغم مرور ثلاثة اعوام على تفجير مرفأ بيروت الا ان التحقيق ما زال متعثرا والسبب في ذلك لا يعود الى طلبات الرد المقدمة ضد المحقق العدلي كما يتم التسويق له اعلاميا  فهذا حق قانوني للمدعى عليهم يعلمه هو قبل غيره 
فالسبب الرئيسي لتعطل مسار التحقيق هو الأليات الاجرائية التي  اتبعت منذ لحظة حصول الأنفجار والتي غلب عليها طابع التصرف الأرتجالي تحت تأثير الصدمة 
وبدافع رئيسي هو استيعاب غضب الرأي العام الذي زاد من حدة وتيرته الاعلام الغير مسؤول الذي وضع جميع المسؤولين تحت ضغط اضافي 
فكانت قرارات الحكومة عاطفية اكثر منها قانونية بداية من سحب الملف من يد 
المحكمة العسكرية صاحبة الاختصاص واصدار مرسوم بأحالة القضية الى المجلس العدلي والذي يشترط احالة الدعوى اليه ان يكون هناك جريمة ارهابية تستهدف زعزعة الأمن القومي اللبناني وبالتالي كان يقتضي انتظار صدور نتائج التحقيق قبل اتخاذ هذه الخطوة ونحن هنا لا نلق اللوم على الحكومة بل نوصف مكمن الخلل الذي استتبع كل الاجراءات اللاحقة الغير قانونية والتي ادت الى عرقلة مسار التحقيق بحيث لم يصل الى اي نتيجة بعد مرور ثلاث سنوات وليس للمحقق العدلي اي عذر في الخطايا التي ارتكبها بداية من صوان وانتهاءا بالبيطار فلبنان سبق ان شهد احداث مشابهة من تفجير بئر العبد الى اغتيال رفيق الحريري ولديه ما يكفي من الخبرة للتعامل مع هذه القضايا هذا عدا عن ان هناك احداث مشابهة حصلت في العالم اشهرها انفجار اوكلاهوما في اميركا ومصنع تولوز في فرنسا وكان بالأمكان الاستناد الى مثل هذه السوابق لوضع خارطة طريق قضائية تساعده في الوصول الى الحقيقة ففي فرنسا مثلا تم انتداب عشرات القضاة المساعدين ومئات الخبراء 
وسنوات من التحقيق لحين توصل القضاء الى اعلان عدم مسؤولية شركة توتال عن الحادث بعد استبعاد فرضية العمل الأرهابي واسقاط كافة التهم الموجهة اليها علما ان الحادث تسبب بمقتل 31 شخصا وتضرر اكثر من 30 الف منزل ومنشأة 
اما في لبنان فقد بدأ التحقيق بأليات عكسية وبنى فرضيات ومسؤوليات حتى قبل ان يحدد التقرير الفني ما اذا كان الحدث ناجم عن عمل ارهابي او عن اهمال غير قصدي ناتج عن عملية سؤ تخزين وذهب بأتجاه الأهمال القصدي بالأستناد الى علم البعض بخطورة هذه المواد مستبعدا دون دليل فرضية العمل العسكري رغم توافر الكثير من المؤشرات التي تدل على ترجيح هذه الفرضية من خلال اكثر من تقرير اخباري اشار الى ضلوع اسرائيل عبر استخدام سلاح تكتيكي خاصة وأن معظم الخبراء اشاروا الى استحالة انفجار النيترات دون تدخل عامل خارجي محفز والا فلماذا ظلت ساكنة على مدى 7 سنوات كان يشهد خلالها محيط المرفأ احتفالات يحضرها شخصيات على مستوى عال من الاهمية كما قام عدد اخر بزيارة المرفأ واخرهم الرئيس سعد الحريري اي ان الجهة المولجة بحفظ أمن المرفأ لم تتعاطى مع هذه المواد على انها تهدد السلامة العامة وبالتالي فأن ما ذهب اليه القضاء لجهة الادعاء على مجموعة  من السياسيين والاداريين بالأهمال القصدي لكونها علمت بوجود هذه المواد بالرغم من عدم مسؤوليتها عن وجودها وعدم صلاحيتها بالتخلص منها هو امر مخالف للأصول القانونية ويهدف فقط الى امتصاص غضب الرأي العام ولو عن طريق الزج بالأبرياء في السجون واتهام شخصيات ذو وزن سياسي ايضا خلافا للأصول القانونية لأضفاء الجدية على عمل المحقق في عملية استعراضية خرج فيها المحقق عن المسار الطبيعي وأسقط العدالة في  الأمتار الأولى  لماراتون التحقيق وأنهى قصة الحقيقة قبل ان تبدأ بأعلان مسؤولية الغير مسؤولين عن هذه الكارثة فكان كالمخرج الفاشل الذي اختصر مسلسلا من مئات الحلقات بفيلم مدته عدة دقائق وهذا رأينا كحقوقيين متخصصين في المجال الجنائي 
حيث اعتبرنا ان كل ما يحصل هو عمل عشوائي غير مستند الى قواعد التحقيق الجنائي وكنا كمن يشهد محاكمة سائق جرافة عبر فوق لغم فأنفجر واصابت شظاياه احد المزارعين وبدلا من محاكمة من زرع هذا اللغم والجهة التي قامت بمسح الحقل وأعدت تقريرها بأنه أمن وهذا ما حصل بالضبط بقضية انفجار المرفأ فنيترات الامونيوم هي القنابل العنقودية او اللغم المزروع في المرفأ منذ سبع سنوات وانفجارها يستدعي ان يبدأ التحقيق حتى قبل صدور التقرير الفني من نقطة المسؤولية الأصلية وصولا الى المسؤوليات التبعية انطلاقا من تحديد الجهات المسؤولة فتكون البداية مع الجهة التي سمحت بتفريغ هذه المواد الخطرة مع وجود قانون يمنع هذا الأمر ومن الذي اصدر القرار بتخزين هذه المواد في عنابر المرفأ 
لمدة سبع سنوات ايضا مع وجود مانع قانوني ومن هي الجهة المسؤولة عن أمن المرفأ والتي تغاضت عن خطورة هذه المواد ولم تعمل على نقلها او اتلافها ومن الذي اعطى الأمر بتلحيم فتحة العنبر والذي اعتبر بأنه السبب الرئيسي للأنفجار
وبعد اطلاعه من قبل جهاز أمن الدولة بخطورة هذه المواد ووجوب التخلص منها 
ورغم وجود ملف متكامل حول هذا الموضوع الا ان التحقيق ذهب بأتجاه اخر وبدلا من الادعاء على المتسبب الرئيسي بحصول الانفجار اصبح من اتخذ القرار بالتلحيم واهمل التحذير من خطورة المواد هو جهة الادعاء ومن أعد التقرير التحذيري هو المتهم ويتم توقيفه اعني به جوزيف النداف اما الأكثر غرابة في مسار التحقيق هو تطوع رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب بأعطاء افادته للمحقق العدلي واطلاعه على كافة المعلومات التي يمتلكها والخطوات التي اتبعها منذ لحظة علمه بوجود هذه المواد وبأنه كان ينوي معاينة العنبر بنفسه بعد ان ابلغ بوجود 2700 كلغ من المواد المتفجرة في المرفأ الا ان الضابط المسؤول في المرفأ ابلغ مسؤول أمن السرايا عن معلومات مغايرة وبأن الموجود في العنبر 12 عبارة عن 2700 طن من السماد الزراعي وهي موجودة منذ 7 سنوات ولم تكتشف حديثا فكان ان ارجأ الزيارة لحين تزويده بتقرير رسمي من مدير جهاز أمن الدولة حول طبيعة هذه المواد وظروف وملابسات تواجدها في المرفأ وبعد تسليمه التقرير ارسل نسخ عنه الى الوزارات المعنية لأتخاذ التدابير اللازمة وطلب وضع هذا التقرير على جدول اعمال مجلس الدفاع الاعلى لمناقشته واتخاذ القرار المناسب بهذا الخصوص ولكن لسبب لا يعلمه لم يدرج هذا الموضوع في الجدول ليحصل بعدها الانفجار في توقيت شديد الريبة وبعد وضع ملف النيترات  تحت مجهر الحكومة وقد اثنى المحقق العدلي على تعاون الرئيس دياب ووعده بأخذ افادة كل رؤوساء الحكومات الذين عاصروا دخول النيترات الى لبنان الا انه لم يفعل وبعكس اتجاه العدالة قام بالادعاء على دياب محددا له جلسة استجواب كمدعى عليه ضاربا بمواد الدستورعرض الحائط مبتدعا تأويلات قانونية لا سابق لها لتبرير خطيئته التي مارسها ايضا بحق عدة وزراء قام بأنتقائهم من حقبات مختلفة وليس بالمصادفة انهم يتبعون لفريق سياسي معين 
الى ان تم كف يده بموجب قرار قضائي لأعتماده الأستنسابية في التحقيق والتركيز على اشخاص يأتون بأخر سلم المسؤوليات ومن ثم خلفه القاضي بيطار الذي 
وعد بتصحيح المسار الا انه سار على درب سلفه معتمدا ذات الاسلوب الشعبوي 
مهددا متوعدا بأنه سيحصد رؤوس كبيرة متسلحا بدعم من سفراء دول كبرى واظبوا على الاجتماع به داخل مكتبه وخارجه مما شجعه على القيام بأكثر من عملية استعراضية من خلال اجراءه اكثر من عملية محاكاة للتفجير ومراسلات اجراها مع دول رست فيها سفينة الموت دون ان يكشف عن اي من النتائج او ان يستدعي متهمين اخرين وصولا الى اصدار مذكرة توقيف بحق وزير سابق ونائب حالي خلافا للأصول القانونية متسببا بوقوع العديد من الضحايا في حادثة الطيونة 
والتي كانت لتدفع اي قاض لديه ذرة من الاحساس بالمسؤولية ان يتنحى عن مهامه لأنه تسبب ولو بشكل غير مباشر بأزهاق ارواح بريئة فهل مثل هذا القاضي يرتجى منه عدالة خاصة انه وبعد ان امضى الوقت في سبات طويل بسبب كف يده عن الملف استفاق فجأة بعد لقاء جمعه بالقاضية الفرنسية في مكتبه ومنزله ليخرج علينا بأجتهاد يتيم اعلن من خلاله عودته لمباشرة عمله مدعياعلى مدعي عام التمييز الذي رد عليه بأدعاء مضاد وعلى الطريقة اللبنانية طوي الملف وعاد البيطار الى السبات العميق .
بالمحصلة ما نود ان نقوله بأن مسار التحقيق بدأ خاطئا وتسبب بخطيئة ولن نصل به الى خاتمة تشفي صدور اهالي الضحايا وستكون فيه العدالة هي الضحية الاولى 
لهذا التحقيق الذي افتقد ادنى معايير العمل القضائي وتحول فيه المتهم الى جهة ادعاء ومن سعى الى تدارك الكارثة تحول الى متهم ومارس فيه القضاء سياسة الهرم المقلوب في ترتيب المسؤوليات فتغاضى عمن زرع اللغم في مرفأ بيروت وحاكم سائق الجرافة فكيف نرتجي الحقيقة ممن القى عليها ستارة سوداء فأدعى على من امسك بطرف الخيط فسارع احدهم في الظلام وقطعه قبل ان يصل الى الحقيقة ثم عاد وانجى لبنان من كارثة اخرى كانت ممكن ان تحصل في اية لحظة
من خلال الاسراع في التخلص من مئات الحاويات التي تحوي مواد خطرة والمجهولة المصدر والملكية وبالمناسبة لم يتم فتح تحقيق بشأنها لتحديد من المسؤول عن وجودها على رصيف المرفأ كما تم التعامل مع سفينة الموت روستوس خيث لم يتم التحقيق حول الجهة التي سمحت برسوها وتلك التي خططت للحجز عليها ثم بالقرارات المريبة التي سمحت بتفريغ حمولتها والتي نفذها كاتب في المحكمة او شركة المحاماة التي قدمت تقريرا مزورا حول ضرورة تعويم السفينة لأن المواد التي تحملها قد تنفجر اذا ما لامست المياه وهو امر مناف للحقيقة العلمية ،كل هذه المؤشرات الجنائية التي تشير بأصابع الاتهام الى سلسلة من الادوات استخدمت لأجل افراغ هذه الحمولة القاتلة في مرفأ بيروت مستخدمة القضاء بسلسلة من الاجراءات لتحقيق هذا الهدف لم تلفت عناية المحقق العدلي والتي توصله حتما الى المتورطين في هذه الجريمة المركبة بل ذهب الى اسهل السبل التي تمنحه بطولة وهمية وترفع عنه المسؤولية وتحميه من تهديدات الجهات المتورطة وهي جهات 
قادرة وفاعلة ومرتبطة بشبكات مخابرات دولية لها علاقة بالأحداث الجارية في سوريا بدليل اختفاء 2200 طن من الكمية دون اجراء اي بحث او تحقيق عن سر اختفائها ومن هي الجهة التي استخدمتها فأختار الطريق السهل بأن ادعى على رئيس حكومة قام بواجباته التي استنكف عنها من سبقه متهما اياه بارتكاب جناية القتل بالأهمال القصدي وهو الجرم الذي يستوجب علم الشخص الأكيد  بالمخاطر الناجمة عن امر ما يستوجب ان يقوم بتلافيه الا انه يرضى بالمخاطر فيكون مسؤولا عن الاضرار التي تحدث بسببه وهو الأمر الذي ينطبق على الكثيرين ممن يعلمون علم اليقين بخطورة هذه المواد من خلال تقارير امنية تم تزويدهم بها فأهملوها واتخذوا قرارات عكسية تسببت بالأنفجار في حين ان الرئيس دياب تم اعلامه بأن هذه المواد هي اسمدة زراعية والتعريف العلمي للنيترات هو انها مواد غير خطرة بطبيعتها الا اذا اسيء تخزينها والتقت الغازات المنبعثة منها مع حرارة 
مرتفعة ورغم ذلك فقد اولى الرئيس دياب اهتمام بالموضوع واتخذ التدابير اللازمة 
علما ان وجود هذه المواد لمدة سبع سنوات ينفي عنها عنصر الخطورة وبالتالي فأن عناصر هذا الادعاء ساقطة قانونا وللمفارقة فأنه عندما استفاق المحقق العدلي الى توجيه هذا الاتهام الى من يستحقه فطلب من النيابة العامة التمييزية الادعاء على القاضي الذي تبلغ تقرير امن الدولة حول خطورة المواد فأشار بختم المحضر وتلحيم الفتحة والذي اعتبر السبب المباشر للأنفجار وبالتالي ينطبق بحقه جرم الاهمال القصدي اتى جواب النيابة العامة التمييزية بحفظ الطلب معتبرة ان علم القاضي بخطورة هذه المواد لا يرتب بحقه جرم الأهمال القصدي واعجبي ولكنه ينطبق على الرئيس دياب ولا ينطبق على كل من ساهم ببقاء هذه المواد بقرارات قضائية وادارية على مدى سنوات لم يكن فيها الرئيس دياب في السلطة هذا اضافة الى تجاوز القضاء لصلاحياته في هذا الخصوص حيث ان مواد الدستور هي اعلى مرتبة من القانون العادي وهذا ما اكدته كل الاجتهادات القانونية بدءا من قضية الوزير شاهي برصوميان وصولا الى قضية المحرقة التي اتهم فيها فؤاد السنيورة 
وبالتالي فنحن اذا امام قضية سياسية بأمتياز بحث فيها المحقق العدلي عن اكباش فداء يدغدغ فيها مشاعر اهالي الضحايا ويمارس فيها دور البطولة الوهمية فلا حقيقة ترتجى ولا عدل يطلب بل تغييب الحقيقة هو المطلب وحتى لا نتهم جهات التحقيق وحدها بالأنحراف عن مسار العدالة فهناك ايضا دور هدام ومضلل لعبه الاعلام المأجور والغير مهني والذي سارع الى تحميل المسؤوليات وتوجيه بوصلة الاتهام في اتجاهات محددة وانتحل دور المحقق الأسطوري ونسج الروايات الخيالية والسيناريوهات الهوليودية لرفع نسبة المشاهدين على حساب الخقيقة والعدالة وأبرز نموذج له تلك الصحافية الاستقصائية التي اشبعتنا نظريات منذ تاريخ الانفجار والتي اختصرت كل تحقيقاتها بسؤالين من الذي اتصل بالرئيس دياب وطلب منه عدم النزول للمرفأ وهو امر اجبنا عليه في عشرات المقابلات التلفزيونية والسؤال الأخر من رفع بند النيترات عن جدول اعمال مجلس الدفاع الأعلى وكان من باب اولى ان تقوم هذه الصحافية بتحقيق استقصائي يبدأ من العام 2013 ولغاية تاريخ الانفجار لا ان تبدأ من اخر سطر في الحكاية لترمي بعض الشبهات المضللة فتكون شريكة في تغييب الحقيقة وعرقلة مسار العدالة .
في الختام نقول شكرا لك دولة الرئيس على صبرك وأناتك وانت الذي سارع الى بلسمة جراح المكلومين من خلال تقديم اقتراحات قوانين لصالح عوائل الشهداء وسارعت في انجاز التحقيق الاداري وتسليم الملف الى القضاء واتخذت مع حكومتك المستقيلة كل التدابير الأيلة الى حفظ الأمن ومعالجة الجرحى وحولت حكومتك الى خلية نحل تعقد جلسات متتالية لأتخاذ القرارات التي تساهم في 
التقليل من حجم الكارثة وأن كان القضاء قد ظلمك فأن التاريخ حتما سينصفك .

الناشر

عباس دقدوق
عباس دقدوق

shadow

أخبار ذات صلة